للمرحوم الأستاذ : رؤوف حنين
مقالة كتبها لمجلة الكنيسة فى شهر سبتمبر عام ٢٠٠٥
الشهادة فى المسيحية هى التضحية حتى الموت نتيجة الإضطهادات والعذابات التى يمارسها غير المؤمنين وأتباع الشيطان ضد المسيحيين من أجل تمسكهم بالإيمان اليقين القويم بالتجسد الإلهى الظاهر فى الجسد (عظيم هو سر التقوي الله ظهر فى الجسد (تى ٣ :١٦ ) وموته على الصليب حاملاً بدمه الطاهر المسكوب عن خطايا البشرية المتوارثة من آدم حتى نهاية العالم وقيامته من الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب وصعوده إلى السموات ومجيئه الثانى ليدين الأحياء والأموات.
ويسجل لنا التاريخ صوراً وانماطاً مختلفة من الشهادات على مر العصور منذ بزوغ فجر المسيحية واعتناق المؤمنون لها حتى اليوم متخذه ألواناً شتى من الوسائل الوحشية لإزهاق الأرواح فتمارس تاره ضدهم بالصلب أو السيف أو الحرق أو الرجم أو السحل أو الغمر فى الزيت أو التار المغلى وتاره بقطع الأعناق وبتر الأوصال إلى آخر. هذه الوسائل الشيطانية الوضيعة التى فشلت جميعها فى كبح جماح التزايد والنمو المزدهر للمسيحية وإنتشارها بل كانت بمثابة تطعيم الأشجار وريها لكى تنمو وتقوى وتكثر وتعطى طرحها أوفر وأغزر وأجود، كما ساهمت دماء الأبرياء فى صقل المؤمنين وزادتهم صلابة بالتمسك بالشهادة بأن يسوع المسيح هو الطريق والحق والحياة (يو ١٤ : ٦) وكما قال من ينكرنى قدام الناس انكره انا ايضاً قدام ابى الذى فى السموات (مت ١٠ : ٣٣) وقال ايضاً إن اراد احد ان يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى (مت ١٦ : ٢٤).
فالإستشهاد ما هو إلا حمل الصليب وتقبل الموت من اجل الذى فدانا بدمه الطاهر وقد إتخذ الإستشهاد ضد المؤمنين فردياً وجماعياً .
الإستشهاد الفردى
عدد المؤمنين الذين استشهدوا عبر التاريخ يفوق الحصر، وتجدر الإشارة هنا إلى الذين لهم علامة وبصمة واضحة فى إنتشار كلمة الرب يسوع وتعميمها مكرزين بالإنجيل فى جميع أرجاء العالم .
- كان أول من استشهد هو الشماس إستفانوس الذى مات رجماً نتيجة إتهام اليهود صراحة بإنهم قتلوا البار يسوع كما قتل أباؤهم الأنبياء الذين سبقوا وانبأوا لمجيئه.
- استشهد جميع الرسل ماعدا يوحنا الحبيب وكان اشهر هؤلاء الرسل بطرس الذى صلب منكس الرأس لأنه رفض الصلب مرتفع الرأس كسيده وبولس الذى قطعت رأسه بالسيف لأنه كان رومانيا ولا يجوز صلبه.
- مرقس الرسول كاروز الديار المصرية الذى سحل حتى الموت بالإسكندرية.
الإستشهاد الجماعى – عصر الإستشهاد
تجد الإستشهاد من اجل العقيدة من نصيب المسيحيين كافة فى جميع ارجاء العالم وكان للكنيسة القبطية على وجه الخصوص النصيب الأكبر حتى دعيت بكنيسة الشهداء والكنيسة المنتصرة لأنها صمدت فى وجه جميع الإضطهادات والعذابات والقتل من كل محتل او غاصب لأرض اقباط مصر، ولم ينالوا منها مأربا حتى اليوم.
ففى عهد الإمبراطور دقليديانوس ابان الإحتلال الرومانى الوثنى لمصر حاول إبادة الكنيسة المسيحية إذ ينسب اليه ان عهده كان أعنف حقبه إضطهاد وثنى ضد المسيحية والمسيحيين حتى انه جاء إلى مصر للمرة الثانية سنة 305م لمباشرة تعذيب المسيحيين والفتك بهم بنفسه، واستمرت الكنيسة القبطية تعانى من هذه الإضطهاد حتى سنة ٣١٣م وكان السبب المساعد لهذا الإضطهاد. ان دقليديانوس قد أله نفسه وأدعى الإنتساب إلى المشترى Jupiter ملك الألهه ونصب ذاته إلهاً وطالب من الرعية الإحترام لأنه رب وسيد العالم، ومن أراد ان يتقرب إليه لا يتقرب إلا راكعاً جاثيا على الأرض ، ولم يرضخ المصريون لعبادة هذا الصنم البشرى فكان نصيبهم العذابات والقتل والتنكيل بجميع الطرق والوسائل، وناصره على هذا التطرف صهره ومعاونه فى الحكم القيصرى (جاليريوس) صاحب الدور الكبير فى تحريك دقليديانوس فى إصدار مراسيم الإضطهاد لأنه رأى ان المسيحية اصبحت قوة خطيرة بتزايد اتباعها، وكان المخطط هكذا:
١ – قتل رجال الدين. -٢- إحراق الكتب المقدسة. -٣ – هدم الكنائس.
٤ – حرمان المسيحيين من الوظائف العامة .
ولما لم تجد هذه المراسيم عاد واصدر مرسوما بالقضاء على جميع المسيحيين.
ومن اقسى الحكام الرومان الذين مارسوا الإضطهادات بشراسة فى عهده كان اريانوس ((Arianus والى أنصنا ، ومما ازهق عقل دقليديانوس انه سمع عند وجوده بالإسكندرية خبر إيمان اريانوس نفسه بالمسيحية.
وقد استشهد فى هذا العصر البابا بطرس الأول الملقب بخاتم الشهداء وقد احصى عدد الشهداء إلى ثمنمائة الف شهيد ( ٨٠٠,000) لذلك اطلق الأقباط على العام الذى تولى فيه دقليديانوس الحكم وهو عام ٢٨٤م اسم عام الشهداء واخذته الكنيسة القبطية بداية للتقويم القبطى الكنسى وهو قائم على التقويم الشمسى المصرى القديم الذى عمل به الأجداد منذ ٤٢٤٢ ق.م وتحتفل الكنيسة سنوياً بأول توت الموافق ١١ سبتمبر بعيد السنة القبطية للشهداء (عيد النيروز)
- ومن أشهر المذابح فى عهد الرومان ايضا مذبحة الكتيبة الطيبية البالغ عدد شهدائها ٦٦٠٠ شهيداً
- وكذلك شهادة القديسة دميانة مع الاربعين راهبة فى شمال الدلتا
- واخيرا هل لنا نتوقع ان الاستشهاد قد انتهى الإجابة القاطعة بالنفى لأن موجة جديدة من التبشير تتوهج عملا بقول بولس الرسول ( الضرورة موضوعة على فويل لى ان كنت لا أبشر. (اكو ٩ : ١٦).