+ مع شهر ديسمبر نتذكر نهاية العام وبداية عام جديد… وايضا نتذكر بدايات ونهايات امور كثيرة.. قد تكون البداية جيدة وقد تكون البداية غير جيدة على الاطلاق ولكن المهم هو النهايات لان العبرة بالنهاية.. ويقول سفر الجامعة “نهاية امر خير من بدايته” (جا ٧ : ٨)
ولذلك تهتم كنيستنا بان تكون نهاية عمرنا على الارض نهاية طيبة وصحيحة تؤهلنا للدخول الى السماء.
ولذلك اود ان نتذكر سويا مع نهاية شهر ديسمبر ان نستعد للنهاية وذلك باتخاذ قرار التوبة الحقيقية فى تغيير اتجاهاتنا وسلوكنا الى الافضل..
+ أحبائى.. اننا نعلم ان اول عظة علمها يسوع المسيح له المجد لم تكن طويلة فقد قال ” توبوا لانه قد اقترب ملكوت السموات”(متى ٤ :١٧) ودعوة السيد المسيح للتوبة هى نفسها ايضا رسالة الكنيسة على الارض ان تنادى كل المؤمنين بالتوبة الحقيقية..
– فالتوبة هى الباب الذى يفتح السماء والسماء هى الغرض النهائى للتوبة ولذلك تدعونا الكنيسة الى التوبة الحقيقية قبل الدخول الى الهيكل (السماء) والتناول من جسد الرب ودمه وهى دلالة على وجودنا فى السماء (تاكل من شجرة الحياة) .
لقد قرات قصة عن رفض القديس امبروسيوس اسقف ميلانو ان يعطى يوما ما سر العشاء الربانى الى الامبراطور ثيئودوسيوس لان هذا الاخير قد اجرى مذبحة فظيعة على شعب تسالونيكى. اعترض الامبراطور على هذا القرار وقال (لماذا ارفض بينما داود النبى الذى كان زانيا وقاتلا لم يرفضه الله؟) التفت القديس امبروسيوس نحو الامبراطور وقال له (لقد شابهت داود فى جريمته ولكن لم تتمثل به فى توبته) -اذن هناك توبة مقبولة وتوبة مرفوضة..
الاصل ان الله يقبل توبة الانسان الراجع اليه بندم وانسحاق ودموع وبتوبة صادقة تاتى باثمار لائقة ” توبوا واصنعوا اثمار تليق بالتوبة ” (متى٣ :٨) امثال القديس موسى الاسود والقديس اغسطينوس والقديسة مريم المصرية وامثلة كثيرة.
+ اما التوبة المرفوضة والتى ينبغى ان نحذر منها فهى مثل :-
١– التوبة الناقصة مثل توبة يهوذا التى فيها ندم واعترف بالخطأ لكن لم يكن فيها رجاء فى رحمة الله ولم يطلب الغفران والصفح من الله بل كانت فيها يأس وانتحار.
فمثلا التوبة مع استمرار الخصام .. او بدون اعتذار عن الخطا او التوبة بلا رجاء هى توبة ناقصة..
٢– التوبة المتاخرة مثل توبة عيسو بعد ان حس انه خسر البركة بجهله واستهانته.. رجع وندم وحاول ان يرث البركة بدموع ولكنه رفض ” اذ لم يجد للتوبة مكانا مع انه طلبها بدموع” ( عب ١٢: ١٦‘ ١٧) فالعمر يا احبائى غير مضمون لحظة واحدة والانسان الحكيم والعاقل لايغامر بخلاص نفسه ولا يؤجل توبته للغد.. بل قم الان واقرع صدرك واصرخ مع العشار (اللهم ارحمنى انا الخاطئ) واسرع الى اب اعترافك معلنا توبتك طالباً الحل والغفران والارشاد.
لذلك ضع فى اعتبارك ان زمان التوبة محدود فلا تضيع الفرصة التى امامك..
٣– التوبة الكلامية مثل توبة فرعون ايام موسى النبى حيث انه بعد كل ضربة يظهر انه يتوب ويعترف بانه اخطا ويعد وعودا ويطلب من موسى ان يصلى لاجله ولكن مجرد ان ترتفع الضربة يعود الى سابق عادته. انها توبة كلامية ..شكلية..وقتية لذلك فهى توبة مرفوضة.
ويظهر هذا مع هؤلاء الذين يواظبون على شكلية الاعتراف بدون توبة من القلب او بدون تغيير فى الحياة والسلوك..
او البعض الذين يتاثرون بسبب عظة او حادث او مرض او وفاة شخص عزيز فانهم يقدمون توبة كلامية ولكنهم بعد فترة تبرد مشاعرهم ويرتدون الى ما كانوا عليه.. فهى توبة مرفوضة.
+ اما التوبة الحقيقية المقبولة فهى تتضمن :
١– تغيير الفكر والقلب .“تغيروا عن مشكلكم بتجديد اذهانكم” (رو١٢: ٢) وهى تعنى ان يكون لى فكر جديد مقتنع تماما بحياة القداسة وحلاوة العشرة مع الله.. وهى تعنى ايضا تغيير الحياة الداخلية ليس فقط تغيير السلوك الخارجى .. تغيير نظرتى للحياة والتغيير يكون داخليا عميقا لا سطحيا ظاهريا..
٢– تغيير الاتجاه .. ان تغيير الفكر والقلب فى التوبة يؤدى الى تغيير الاتجاه فى الحياة.. يعنى تحول وابتعاد عن طريق الشيطان الى طريق تجاه الله ولذلك تسمى التوبة تصحيح المسار.
٣– تغيير الحياة … يعنى ليس كافيا ان نتوب ونعترف بخطايانا بل ينبغى ان نعبر عن توبتنا بحياة جديدة ومثمرة (اصنعوا اثمارا تليق بالتوبة) والتغيير فى الداخل يظهر ايضا فى الخارج فى الكلام والسلوك.. فمثلا الكلمات القاسية تصبح كلمات رقيقة .. وعدم الامانة يحل محلها الامانة والكبرياء يحل محلها التواضع.. والكراهية تتبدد وتاخذ المحبة مكانها والنجاسة تتحول الى عفة وطهارة وهكذا.
اذن حقيقة التوبة هى ثورة الشخص ضد الشر الكامن فيه متضمنة تغيير الفكر والقلب وتغيير الاتجاه وتغيير الحياة.
صــلاة
ياربى يسوع المسيح انا كلى لك بجملتى .. يارب غيرنى تغييرا شاملا كاملا واحفظ قلبى كله طاهرا لك. واجعل فيه تصميما للحياة معك بلا رجعة .. وساعدنى ان ابعد تماما عن مصادر الخطية واسباب العثرة.. واسندنى حتى تظهر فىَ ثمار التوبة الحقيقية حتى اكون مؤهلا لدخول الملكوت. ولا تدعنى اسلك فى طريق توبة زائفة او فى طريق توبة ناقصة او مرفوضة بل اكشف عن عينى طريق التوبة الحقيقية.. ولتكن هذه السنة الجديدة سنة حاسمة فى حياتى حتى استطيع ان اتمتع بثمار التوبة وبلذة التوبة وبلذة الحياة معك. امين.