أختيار : هنـــد نــــيروز
من خلال عملى بالشرطه ، ازداد إيمانى بصدق الكتاب المقدس ” أن محبة المال أصل لكل الشرور ” .
رأيت أحداثاً كثيرة أليمة لا تحصى، ومعظمها بسبب محبة المال الكثييرة ، إنما الذى تأكدت منه أن جميع الباحثين عن المال قلما يسعدون ، من يخسر يحزن كثيراً ومن يربح يسعد قليلاً ثم يحزن ايضاً لانه يطمع فى المزيد ، وعن اقتناع تام عشت راضياً بمرتبى الضئيل ، أجد سعادتى فى تدبير الله لشئونى ، ورضائى فى إحساسى أنه يرعانى فلا احتاج لآحد ، لم أكن أخشى بطش الرؤساء ، أودى واجبى وأثق فى حماية الله لى. لم أهتم كثيراً بما تردد ذات يوم عن بطش نائب مدير الأمن الجديد ، وأساليبه فى الإيقاع بالمنحرفين ، وذات ليلة كنت أطوف فى منطقة حراستى أقاوم البرد بالسير جيئة وذهاباً ، رأيت عن بعد رجلاً يسير فى حذر ويقود بقرة ، أن الليل قد انتصف لم يكن موعد خروج الفلاحين إلى حقولهم وتقدمت منه وسألته عن سبب سيره فى هذا الوقت المتأخر من الليل ؟ وتظاهر بالخوف ، وأخرج من ملابسه ورقة مالية من فئة العشرة جنيهات – أن ذاك- وحاول أن يعطيها لى تأكدت أنه سارق للبقرة ، طلبت منه فى حزم أن يسير أمامى إلى قسم الشرطة .. وزاد ارتباكه .. أخرج من جيبه ورقة مالية أخرى وراح يرجونى أن أتركه .. ولم أتردد .. تراجعت للخلف .. أشهرت سلاحى .. هددته بالقتل .. وأمرته ان يسر أمامى إلى الشرطة .. وسرت خلفه فى حذر وكلما تلفت وراءه يشاهدنى وسلاحى نحوه .. فيواصل السير.. حتى بلغنا إلى قسم الشرطة ، أمسكت به فى عنف وقدمته للضابط وأنا أبلغ بما حدث . رأيت الضابط يقف وينظر إلى الرجل فى ذهول ، ورأيت الرجل يقف أمامه ويبتسم والضابط يقدم له مقعداً ليجلس ، ويقول لى الضابط أنه نائب مدير الأمن الجديد . وزادت دهشتى ، وفسر لى الضابط الموقف ، بأنه أعتاد أن يتنكر ويتجول وسط الراسات ليتأكد بنفسه من سير اعمال رجال الأمن ، وأنه أستعار هذه البقرة من أحد الأصدقاء ليمثل دور الرجل المشبوه. وبدأت أشعر بالخوف .. تسلل إلى قلبى رغماً عنى لقد هددت الرجل بالقتل ، قبضت عليه، اتهمته بالسرقة ، وقمت بمعاملته بقسوة وخشونة .. وزاد خوفى عندما طلب منى الحضور فى اليوم التالى إلى مكتبه ، واخذت أدعو الله أن تأتى النهاية سليمة . وجاءت النهاية فوق ما تخيلته , عندما دخلت إلى مكتب نائب مدير الأمن مع مأمور القسم ، رأيت الرجل فى صورته الحقيقية ، وحوله بعض الضباط توقف أمام مكتبه قال لى أنت رجل شريف ، أنتظر منى ترقية ، ولك هذا المبلغ الذى رفضت أن تأخذه بالأمس . ووقفت أمامه مذهولاً .. إلى أن أنتبهت إلى صوت المأمور الواقف بجوارى أن أتقدم وأستلم منه المكافأة . وتقدمت وصافحته وصافحت الضابط ، وكان فعلاً خير مكافأة .
فقال له سيده :
” نعماً أيها العبد الصالح والأمين ، كنت أميناً فى القليل فأقيمك على الكثير ، أدخل إلى فرح سيدك ” (مت ٢٥: ٢٣) .